9.2.07

مجدى مهنا يختار لكم مقالاته التى لم تنشر

مجدى مهنا يختار لكم مقالاته التى لم تنشر

٨/ ٢/ ٢٠٠٩
هكذا كتب مجدى مهنا مقدماً لمقالات خطها بيده ولم تنشر، أثناء فترة رئاسته لتحرير جريدة «الوفد».. وبعيداً عن الأسباب.. تنشرها «المصرى اليوم» مع مقدمة صاحبها الراحل:
عزيزى القارئ..
هذه نماذج من بعض المقالات التى لم تنشر من مقال «فى الممنوع»، وأرجو ألا تسألنى لماذا لم تنشر.. فأنا أحياناً أعرف السبب.. وأحياناً لا أعرف السبب.. وأرجو ألا تسألنى ثانية: وكيف لا تعرف السبب وأنت رئيس التحرير؟ وإجابتى: هذه هى الحقيقة التى أرجو أن تصدقنى فيها»..
 وقد تسأل مرة ثالثة: وكيف تقبل ذلك؟ وإجابتى: هذه قصة أخرى طويلة تحتاج إلى بيان وإلى شرح وإلى توضيح.. وإن كنت أعتقد أن بعض أجزاء من هذه القصة أنت على علم بها.. أو على الأقل متابع لها عن بعد

*****
صفارة الرئيس بوش
يخيل إلىَّ أننا فى عالمنا العربى الآن أشبه بالقطار.. الذى يسير بلا سائق.. وبلا فرامل.. وبلا محطات.. ويسير على غير هدى.. وبلا هدف ولا يعرف وجهته وإلى أين يذهب.. فلا نحن مدركون لقيمة الوقت ولا لقيمة الزمن.. والأمن العربى غائب تمامًا داخل القطار.. هناك جنود وقوات وأسلحة وأموال تنفق ولكن يبدو أن لهذه القوات مهمة أخرى غير مهمة تأمين وحماية القطار وركابه.
كل عربة فى القطار ليست لها علاقة بالعربة التى تسبقها أو التى تخلفها، وركاب القطار مشغولون بأشياء ثانوية ويمضون الوقت فى التفكير فى قضايا بعيدة كل البعد عن حاضرهم المظلم ومستقبلهم الأشد إظلامًا.
ونظرة سريعة على أحوال القطار العربى تكشف إلى أى مدى الفوضى التى يعيشها ويعانى منها ركابه.
آخرها العربة الليبية.. ففى الوقت الذى ينتظر منها وغيرها من العربات الأخرى أن تساهم بدور فعال فى إنقاذ القطار قبل الاصطدام المروع واشتعال الحرائق بداخله.. نجدها تحاول الفكاك وتعلن رغبتها فى الانفصال عن باقى العربات.
وعربة السودان موبوءة وتحاصرها الأمراض.. ومشغولة بالحرب الدائرة فى جنوبها بقيادة قوات جون جارانج.. ومشغولة أيضًا بمحاصرة الضربة الأمريكية التى تحاول الضغط على حكومة الخرطوم للتسليم بالشروط التى يضعها جارانج.. أى التسليم بانفصال الجنوب عن الشمال.. أو القبول بوصول جارانج إلى الخرطوم.
وبقية عربات القطار تتفرج على ما يحدث فى عربة السودان.. وكأن النار المشتعلة فيها لا يمكن أن تصل إلى العربات القريبة منها.
ثم عربة العراق.. وما أدراك ما عربة العراق.. الكل يتوقع أن تحترق فى أى لحظة.. ومع ذلك فلا توجد وسائل دفاع أو أجهزة حريق، والبعض داخل القطار يساهم بدور ظاهر أو خفى فى إشعال الحريق بداخلها.
وعربات القطار الأخرى فى خبر كان.. مشغولة بالكلام الأجوف.. ومشغولة بنفسها وكيف تنقذ نفسها.. وتركت العربة العراقية تواجه مصيرها المحتوم الذى قرره لها «القرصان» الجالس فى البيت الأبيض.. الذى يدعى أن أمنه مهدد إذا لم يشعل النار فى العربة العراقية.
صورة مأساوية أو لوحة سريالية.. شارك فى رسمها وصنعها كل ركاب القطار.. ويتحمل نتائجها الجميع.
والجميع ينتظر صفارة الرئيس الأمريكى جورج بوش.. والقطار العربى يتحرك بسرعة.. بلا سائق وبلا فرامل وبلا قضبان وبلا محطات

*****
أزمة ضمير
ما هو الضمير؟ الضمير هو ما أعتقده أنا.. أو ما تعتقده أنت.. أو ما نعتقده أنا وأنت معاً. وهو هنا يسمى الضمير العام.. أى ضمير الشعب.
أى أن هناك الضمير الشخصى.. ثم هناك الضمير العام الجمعى، ولو فتش كل واحد منا بداخله لاكتشف أنه يعانى من مشكلة مع ضميره. ومن مجموع هذه الأزمات يتكون فى النهاية ما يمكن تسميته أزمة ضمير فى المجتمع كله.
وبصراحة وبلا مواربة.. فنحن فى مصر كما فى العديد من دول العالم الثالث نعانى من أزمة ضمير، سببها غياب الشفافية وتفشى ظاهرة حكم الفرد من خلال سنوات طويلة من القهر وكبت الحريات العامة والخاصة، والعدوان على حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، وكذلك غياب الأسلوب الديمقراطى فى الحوار.. بل غياب الحوار أصلاً.
وقد يجمع الرأى العام أو غالبيته على رفض سياسة معينة أو على بقاء مسؤول فى موقع معين.. إما لفشله فى إدارة هذا الموقع.. وإما لأنه التصق بالكرسى سنوات طويلة، وقد يجمع الشعب على ضرورة التغيير الذى هو سنة الحياة.. وينتظر هذا التغيير أن يحدث.. لكنه لا يحدث أبداً، فتكون النتيجة أن يصاب المجتمع بأزمة ضمير لا يعرف كيف الفكاك منها.. وعندما يصل الشعب إلى هذه الحالة يفقد الثقة بنفسه وبمن حوله.. ولا يثق فى أى قرار يصدر.. ولا بأى سياسة يتم إقرارها.
وعلى المستوى القومى فأزمة الضمير هى المسؤولة عن حالة الضعف وفقدان الإرادة التى تعانى منها الجامعة العربية.. فنحن هنا أمام ضمائر تعبر عن سياسات متعارضة.. وكارهة لبعضها البعض.. حتى لو تظاهرت بعكس ذلك، كما أن أزمة الضمير هى المسؤولة عن حالة التمزق التى يعانى منها الشعب الفلسطينى، ومن فقدان الثقة بقياداته وبسلطته الوطنية، ومسؤولة أيضاً عن تفشى الأمراض الاجتماعية فى مجتمعاتنا العربية مثل الكذب والنفاق والسلبية وتدنى الأخلاق.
أخطر ما يواجه أى مجتمع وأى أمة.. هو أن تعانى من أزمة ضمير.. وأن يدخل ضميرها العام فى غرفة الإنعاش.. واليوم الذى ستصحو فيه ضمائرنا ونتخلص من مركبات النقص عندنا سيختفى الديكتاتور الصغير الذى بداخلنا، وسنتعود على الحوار وتقبل الرأى الآخر.. وسنتذوق طعم تداول السلطة والديمقراطية الحقيقية وليست المزيفة.. وسيبادر أى مسؤول يفشل فى موقعه بتقديم استقالته.. لأن لديه ضميراً.. وإذا لم يسمح له ضميره بذلك.. فالضمير العام هو الذى سيجبره على ذلك

 *****
حيوانات الجيزة
فى طريق ذهابى إلى عملى وفى طريق عودتى.. أشاهد يومياً حديقة الحيوان بالجيزة. ولم أفكر يوما فيما آلت إليه أوضاع الحديقة من الداخل وكيف تعيش حيواناتها.. هل تئن وتتوجع هى الأخرى مثل غالبية المصريين الذين يعيشون خارج أسوار الحديقة.
أمس الأول ذهب بعض أقاربى إلى الحديقة وأخبرونى عن حالها الذى لم يعد يسر عدواً ولا حبيباً، وكيف أن أحوالها ساءت كثيراً عن آخر مرة ذهبوا فيها إليها.
كيف؟ قالوا: يكفى أن ترى منظر الفيل الذى تغطيه طبقة من السواد الكالح.. وكأنه لم يستحم منذ شهور طويلة، والغريب أنه بلا أنياب.. كأن هناك من نزعها عنه أو كسرت بفعل حالة الضعف والوهن الذى أصابه، وقال لهم الحارس إنه وحيد ولا يوجد غيره فى الحديقة.
أما ملك الغابة.. فحاله يرثى لها.. وتحول إلى فأر الغابة.. فالأسد القوى الذى تخشاه كل الحيوانات.. أصبح ضعيفاً ومكسور الجناح وغلبان وهفتان ومنظره لا يدل أبداً على أنه أسد.. بطنه مشفوط إلى الداخل وكأنه لم يتناول الطعام منذ خمسة أيام. وينظر إلى الأطفال وهم يتناولون الأطعمة.
وماذا عن نظافة الحديقة؟ قالوا تحدث عنها ولا حرج، تنبعث من الحيوانات روائح كريهة، والقاذورات تغطى بيوت الحيوانات وتحيطها من كل جانب.. والناس تفترش الأرض.. والكافتيريات المنتشرة فى أرجاء الحديقة خالية تبحث عن زبائن.. والناس تهجرها لارتفاع الأسعار بها ولضعف قوتهم الشرائية.
وسألت عن الحراس وعمال النظافة.. قالوا: هؤلاء أصبحوا عملة نادرة.. فالكثير منهم يبدو أنه تم تسريحه مع برنامج الخصخصة وفى نظام الخروج المبكر إلى المعاش.. وقلة موارد الحديقة وضعف الإمكانيات هما السبب فى الحالة المزرية التى عليها حديقة حيوانات الجيزة، التى كانت من أهم حدائق الحيوان فى العالم.
وأدهشنى أن يقولوا إن الناس فى الحديقة تتفرج على نفسها.. فلا توجد حيوانات يتفرجون عليها.. والكثير منها اختفى أو انقرض أو مات وبيوت بالكامل للحيوانات أغلقت.. ولم يعد يرتادها أحد.
ثم سألت نفسى: ولماذا الدهشة؟ فحال الحديقة وحال حيواناتها من أحوال الناس الذين يعيشون خارج أسوار الحديقة، وليس من المعقول أن يعانى المواطن المصرى.. ولا تشاركه حيوانات الحديقة المعاناة نفسها.. والألم نفسه.. فالمشاركة هنا واجبة.
مشكلة حيوانات الجيزة أن أحداً لا يستمع إلى صراخها وأنينها وشكواها.. ولا يفكر فى أحوالها.
وبالنيابة عن كل الحيوانات.. أرفع هذا الالتماس إلى كل من يهمه الأمر للنظر بعين العطف إلى أحوالها البائسة.. وأن يخصص لها بصورة عاجلة قرضاً من القروض التى انهالت على مصر من الدول المانحة.. لإنقاذها من الحالة السيئة التى وصلت إليها.
وبالنيابة عنها أيضاً أشكر كل من يساهم فى حل هذه المشكلة والأجر والثواب عند الله
 *****
نائب الرئيس
سألنى قارئ: لماذا لم يعين نائب رئيس الجمهورية حتى الآن؟
قلت: وهل هناك موعد معين سيصدر فيه هذا القرار؟ إن كل ما قاله الرئيس حسنى مبارك فى إجابته عن سؤال مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أنه يعكف على دراسة هذا الملف حالياً، وأنه أمامه عدة أسماء وخيارات، وأنه عندما ينتهى من الدراسة والفحص سوف يُصدر القرار.
قال: واليوم مضى أكثر من ثلاثة شهور على سؤال الصحيفة الأمريكية وعلى إجابة الرئيس مبارك، ولم يحدث شىء.
قلت: نحن ننتظر منذ حوالى عشرين عاماً.. فكيف لا ننتظر بضعة أسابيع أو شهور أخرى؟ ثم هل تقصد من كلامك أن قضية نائب رئيس الجمهورية ستظل معلقة، وأن الرأى العام عليه الانتظار حتى موعد الزيارة القادمة التى سيقوم بها الرئيس إلى الولايات المتحدة الأمريكية لفتح هذا الملف من جديد؟
قال: أنا لم أقل ذلك.. لكننى تصورت أن القرار سيصدر فى خلال أيام أو أسابيع على الأكثر، وأن باب التساؤلات والشائعات التى تتردد من وقت لآخر سيغلق تماماً.
قلت: هل تقصد أن الشائعات يمكن أن تعود من جديد، بالرغم من الإجابة الحاسمة والقاطعة للرئيس مبارك، التى حسم فيها قضية من يشغل منصب نائب الرئيس؟
قال: نعم، ففى المرات الكثيرة السابقة التى كان يُطرح فيها هذا السؤال على الرئيس.. كان يجيب بأنه سوف يصدر القرار فى الوقت المناسب.. ولم تتغير هذه الإجابة أبداً، لكن بعد إجابته على صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية» تصور الرأى العام أن الوقت المناسب قد حان، فلماذا هذا الغموض الذى يحيط بهذا الملف من جديد؟
ووجدت نفسى أعيد وأكرر نفس الأسئلة على القارئ، ثم يعيد هو على مسامعى الإجابات نفسها، ثم نتبادل المواقع.. هو الذى يسأل وأنا الذى أجيب، وفى نهاية الحوار الذى امتد أكثر من ساعة، اكتشفنا أننا لم نصل إلى شىء، وأننا ندور فى حلقة مفرغة، وأننا لم نصل إلى معلومة واحدة، وأننا نعود إلى نقطة الصفر أو إلى المربع رقم واحد كما يقولون.. وهو السؤال: متى يعين نائب رئيس الجمهورية؟
 *****
الدستور.. الدستور
يفكر الرئيس الباكستانى برويز مشرف فى تعديل الدستور بما يسمح له بالبقاء فى منصبه لمدة أو لمدد أخرى، والدستور الباكستانى يسد الطريق حالياً على الرئيس مشرف.
ومنذ أيام نشرت الصحف أن الرئيس السودانى عمر البشير، يسعى إلى اتخاذ خطوات لتعديل الدستور بما يسمح له بالبقاء فى منصب رئيس الجمهورية لفترة أو لفترتين قادمتين.
وفى لبنان، تم تعديل الدستور منذ عامين لكى يسمح للرئيس إميل لحود بترشيح نفسه فى انتخابات رئاسة الجمهورية، وكان الدستور اللبنانى يمنع ترشيح ضباط الجيش فى المناصب المدنية إلا بعد مرور عامين على ترك العمل بالقوات المسلحة، فتم تعديل هذا النص خصيصاً للرئيس لحود وبرغبة سورية.
وبعض دول العالم الثالث ومنها مصر، أراحت نفسها منذ سنوات بعيدة.. وقامت بتعديل الدستور بما يسمح لرئيس الجمهورية بترشيح نفسه لمدد أخرى.. أى مدى الحياة. وهذا التعديل أجرى فى فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات.
وتصبح القضية الرئيسية والأولى التى تشغل بال هؤلاء الحكام هى الحفاظ على كراسيهم وعلى مناصبهم وبذل كل جهد لتأمين أنظمة حكمهم، بدعوى حماية الاستقرار والحفاظ على مصالح الشعب.
هذه الظاهرة التى تعرفها دول وشعوب العالم الثالث.. لا وجود ولا أثر لها فى دول العالم الحر والديمقراطى.. فلا يجرؤ الرئيس الأمريكى أو الفرنسى أو أى رئيس فى أى دولة أوروبية، على تعديل الدستور لصالحه بما يسمح له بالبقاء فى منصبه مدى الحياة، بل تمنع الدساتير فى كثير من هذه الدول أن يرشح الشخص نفسه أكثر من فترتين رئاسيتين متتاليتين، وبحد أقصى ثمانى سنوات كما فى الولايات المتحدة الأمريكية، أو عشر سنوات كما فى فرنسا.
ولماذا نذهب بعيداً.. ففى منطقة الشرق الأوسط دولة استعمارية قائمة على السلب والنهب واغتصاب حقوق الغير.. هى إسرائيل، لا يجرؤ أى حاكم فيها.. رئيس دولة أو رئيس وزراء، على تعديل الدستور لصالحه.
وأى مسؤول إسرائيلى مهما كبر منصبه، لا يستطيع ارتكاب مخالفة صغيرة مالية أو انتخابية، وإذا سولت له نفسه ذلك، فالتحقيقات والمحاكمة والملاحقة القضائية تطارده.
ومنذ أيام تم استجواب رئيس الوزراء الإسرائيلى آرييل شارون فى قسم الشرطة، واستمر سبع ساعات كاملة.
إن غياب التغيير.. وفقدان الأمل فيه، هو الذى يدعو الناس إلى الإحباط واليأس.. ويفقدهم الثقة فى حكامهم وفى أنفسهم وفى المستقبل، وفقدان الثقة هو أخطر الأمراض التى تهدد حياة أى أمة.     ء

0 comments:

Post a Comment

Thanks For your comment
I won't accept any insult in my blog , please keep it clean .
Please smile,life is difficult enough :) !

"Magical Template" designed by Blogger Buster