16.2.08

في الممنوع 19/12/2005

لأهمية الكلمة التي ألقاها الدكتور حامد نصر أبوزيد، الحاصل علي جائزة ابن رشد العالمية.. في الندوة التي أقامتها كلية الآداب جامعة القاهرة بعنوان: «فلسفة الحرية»، أستأذن القارئ الكريم أن أفرد لها هذه المساحة.. اليوم وغداً وبعد غد.. ثم سيكون لي تعليق عليها في النهاية إن شاء الله.

وحامد نصر أبوزيد هو العالم المصري الذي اضطرته الظروف وأجبرته علي مغادرة بلاده والتدريس في جامعات أوروبا.. بعد صدور حكم قضائي بالتفريق بينه وبين زوجته الأستاذة الجامعية.. وبسبب ممارسته لحريته في البحث العلمي وحرية التفكير.
يقول الدكتور أبوزيد في كلمته:

تعاني أوطاننا من أزمة خانقة، أو أزمات في كل المجالات وعلي كل الأصعدة، لكن هذه الأزمات يمكن ردها جميعاً لأزمة الحرية. إن القول النهضوي «ليكن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بيننا نبنيه بالحرية والفكر والمصنع» قد أدرك أن «الحرية» هي وحدها المفتاح إلي الفكر الذي يقود عملية التقدم في الصناعة والزراعة، باختصار الحرية هي قاطرة التنمية، وعوائق الحرية تتمركز في الاستبداد الذي يولد الفساد الذي يؤدي بدوره إلي الخراب الشامل. ومنذ بداية القرن الماضي والمثقف العربي، الشيخ والأفندي والتقني، يشكو من الاستبداد، ويحلل أسبابه ويبين مخاطره ويقترح الوسائل للخروج منه إلي أفق الحرية وسيادة إرادة الأمة تحقيقاً للعدل والمساواة، وها نحن بعد قرن كامل تغيرت فيه الدنيا، وانتقل العالم من عصر التصنيع إلي عصر تكنولوجيا المعلومات، لانزال نراوح مكاننا من وطأة الاستبداد السياسي والاجتماعي بل والثقافي والديني

تغلغل الاستبداد في تفاصيل حياتنا من وطأة تاريخ طويل من الحكم العسكري أو المشيخي أو الطائفي، فالأب مستبد يقهر الزوجة والطفل باسم «تماسك الأسرة»، والمعلم يقهر التلميذ في المدرسة باسم «حق المعلم في التبجيل والتوقير»، والرئيس أياً كانت درجته، يقهر المرؤوسين باسم «الضبط والربط والنظام»، ورجل الدين يقهر المؤمنين باسم «السمع والطاعة»، والحاكم يقهر شعباً بأكمله باسم «التصدي للأخطار الخارجية». صار الوطن معسكراً، كلنا محبوسون داخل أسواره نحيي العلم كل صباح ومساء، وطول اليوم نغني الأغاني الوطنية وننشد الأهازيج في حب الأوطان

. كان هتافنا في المظاهرات ونحن صغار ـ إبان الاحتلال البريطاني لمصر والفساد المتعاون معه في القصر الملكي ـ «نموت نموت ويحيا الوطن»، ولم يكن الأمر مجرد هتاف، فقد مات الكثيرون منا علي ضفاف القناة وفي أرض سيناء، واستشهد آخرون في معارك حصدت الألوف، باختصار دفعنا الثمن وحصد آخرون الثمرة، وظلت الأوطان كما هي رهينة احتلال من نوع آخر اسمه «الاستبداد»، جنرالاته من أبناء جلدتنا، يمصون دماءنا حتي آخر قطرة، ويسدون كل منافذ التنفس أمام شعوب تختنق، ومطلوب منها أن تظل تهتف. وقد تحولت صيغة الهتاف فصارت «بالروح بالدم نفديك يا...». في تقديري أن تفكيك الاستبداد مسألة بسيطة وسهلة، فحواها أن نكف عن «الهتاف»، وأن نعيد النظر في مسألة أننا يجب أن نموت لكي تحيا الأوطان

. لماذا يجب أن نموت؟ وأي أوطان هذه التي ستبقي بعد موتنا؟ لقد متنا وبقيت أوطان لا نعرفها ولا تعرفنا. أسير في شوارع القاهرة، أو بيروت أو دمشق أو الدار البيضاء، فأجد أناساً لا أعرفهم، وأري مباني شاهقة وفنادق فاخرة أخاف أن أدخلها، أبحث عن أصدقائي والناس الذين أعرفهم وأحبهم ويحبونني فأجدهم في أماكن خانقة، مكاتب التحرير في الصحف أو دور النشر، في قاعات الدرس والمكاتب المزدحمة في الجامعات، أو في المقاهي التي فقدت بهاءها وخلعت أرديتها للكافيتريات السياحية، أري وجوههم مرهقة من التدخين والهواء الفاسد، لكننا نتضاحك، لأننا مثقفون متفائلون نؤمن بالمستقبل ونتيقن أنه قادم لا محالة.. هؤلاء أصدقائي الحالمون الذين أحبهم وأسعي إليهم، لأنهم مثلي لا يهتفون موتاً في حب الأوطان، ولا يفتدون فلانا أو علاناً بالروح والدم.

لكن هناك مثقفون آخرون يرتادون الفنادق الفخمة والكافيتريات السياحية، ويسكنون في مساكن فسيحة صحية يأتيها الهواء النقي من كل ناحية، ولهم استراحاتهم الصيفية ومنتجعاتهم، هؤلاء أبناء العصر فهموا روحه وأدركوا أن التغيير ـ والإصلاح ـ لا يأتي من أسفل لأعلي، بل يأتي من أعلي إلي أسفل. ولأنهم مصلحون حقاً فقد قرروا أن يتخلوا عن صيغ الإصلاح البالية التي تحدث عنها «محمد عبده» و«عبدالرحمن الكواكبي»... وغيرهما ـ محاربة الاستبداد والفساد ـ وأن يتبنوا صيغة: إذا لم تستطع مغالبة الموج فاركبه.
بقية الكلمة غداً


0 comments:

Post a Comment

Thanks For your comment
I won't accept any insult in my blog , please keep it clean .
Please smile,life is difficult enough :) !

"Magical Template" designed by Blogger Buster