16.2.08

في الممنوع 20/12/2005

أمس نشرنا الجزء الأول من الكلمة التي ألقاها الدكتور حامد نصر أبوزيد، في ندوة «فلسفة الحرية»، التي أقيمت بكلية آداب القاهرة.. وفيها تحدث عن ثقافة الاستبداد والقهر التي عرفها وذاق ويلاتها الشعب المصري عبر قرون طويلة.. واليوم ننشر الجزء الثاني من كلمته التي يتحدث فيها عن فساد العقل والدين والمجد.. وعلاقة ذلك بالاستبداد.
يقول د.أبوزيد:

من العجيب أن عبدالرحمن الكواكبي منذ أكثر من مائة عام، قد نبهنا أن «الاستبداد أصل كل فساد، إذ يضغط علي العقل فيفسده، ويلعب بالدين فيفسده، ويغالب المجد فيفسده، ويقيم مكانه التمجد». كيف لم نتنبه أن الاستبداد أُس «الفساد» وهو الكلمة المفتاح لكل حياتنا العربية في هذه اللحظة، الفساد أولاً، والفساد ثانياً، والفساد أخيراً.

١- فساد العقل: هل نحتاج للشواهد، وأنظمتنا التعليمية وجامعاتنا وإعلامنا المرئي خير شاهد؟ فساد العقل أدي إلي فساد الهوية، النابعة من فساد الدين، والمؤدية إليه في نفس الوقت، اقرأ الكتب التي تصدر، فكم منها تستطيع أن تواصل قراءته، لقد صارت اللغة تتكلمنا لا نحن الذين نتكلمها، صار العقل سجينا للغة تكلمها آخرون منذ آلاف السنين، واجتاح الفساد كل قنوات وعينا، يشكو الصحفي البارز «صلاح حافظ» من اختراق الصحافة، التي أفسدها المال الذي لم يعد يدخل إلي الصحف «عبر مسالكه الشرعية،

ونعني الإعلانات الصريحة»، بل صار يتسرب عبر مسالك أخري غير شرعية، مثل «خلط الإعلان بالإعلام لخداع القارئ والمشاهد والتدليس عليه... فإذا أضفت إلي ذلك نماذج أخري من نوع الرشاوي الخفية والمكافآت العلنية التي تعودت وزارات وأجهزة وأحزاب، بل ودول أجنبية، دفعها لبعض مندوبي الصحف ووسائل الإعلام من ذوي النفوس الضعيفة والذمم الخربة، لأدركت عمق الاختراق الذي نفذ إلي العمق».

في مقابل هذا الفساد، أو بسبب هذا الفساد، يتعرض الصحفيون والإعلاميون الأحرار «لمضايقات وصلت إلي حدود الاعتداء الجسدي والإيذاء النفسي» هذا في مصر، أما في بيروت، فإن الفساد الملازم للاستبداد لا يرضي بأقل من القتل تفجيراً وتدميراً، إذا فسد الإعلام والتعليم فعن أي «عقل» يمكن أن نتحدث؟


٢- فساد الدين: احتاج المستبد إلي «الدين» ليداري عورات استبداده، فأمم مؤسسات «التقديس»، علي حد تعبير المصري الراحل «خليل عبدالكريم»، لتهتف ليل نهار بعدله واستقامته وحكمته وشجاعته

وتصدر الفتاوي لتبرير مواقفه وقراراته، فلم يعد أمام المحتج والمعترض إلا أن يلجأ إلي نفس السلاح. هكذا ضاع الإيمان لصالح الحركية، ومع ضعف الإيمان قوي التطرف وصار التدين شكلياً (ازدحام المساجد مع كثرتها، إطالة اللحي وتقصير الجلابيب وارتداء الفتيات الحجاب فالنقاب). حين يصير الدين شكلياً يصبح هو المحدد الوحيد للهوية، وهنا يتبلور مفهوم للآخر فضفاض يساوي بين الأجنبي (الغربي) وابن الوطن (المسيحي والعلماني) فيضع الكل في خانة الأعداء الذين يصبح قتالهم واجباً (سيد قطب قسم العالم كله إلي مسلمين وجاهليين فقط).

٣- فساد المجد: المجد كلمة تتسع لكل القيم والأخلاقيات وأنماط السلوك المثلي اجتماعياً وثقافياً ودينياً. وفساد المجد يؤدي إلي «التمجد»، وهو المجد الزائف الذي حلله بكفاءة أحمد البرقاوي من خلال نصوص «الكواكبي» ثم صاغه بلغة معاصرة فقال: المتمجد هو البوق الإيديولوجي عند المستبد الذي يزيف الوقائع والحقائق، هو الذي يقلب الأمور رأساً علي عقب، لأنه يخفي أهداف المستبد الذاتية الضيقة ويحولها إلي أهداف باسم الأمة، مستخدماً المفاهيم الأخلاقية الأثيرة لدي الناس ولصقها بسلوك المستبد... كحب الوطن، وتوسيع المملكة، وتوسيع المنافع العامة والدفاع عن الاستقلال، لا شك أن عبدالحميد هو المقصود بهذا الكشف والتحليل، ربما أنه (الكواكبي) أخفي هذا لسببين: الخوف من المستبد، أو لإعطاء معني كلي للمستبد والمتمجد».

إن المتمجد باختصار هو ذلك المثقف الذي لا يكف عن الهتاف، سواء كان شيخاً أم أفندياً أم تقنياً، للمستبد، فيتحول هو بالتدريج إلي مستبد صغير، فيتوالد الاستبداد ويعيد إنتاج نفسه في أشكال وأثواب جديدة، فيصبح استبداداً دينياً واستبداداً ثقافياً واستبداداً تعليمياً. ولأن الاستبداد هو أُس الفساد يصبح الفساد هو الهدف الذي يجب أن ينصب عليه تفكيكنا

غداً ننشر الجزء الثالث والأخير من كلمة الدكتور حامد نصر أبوزيد وفيه يطرح السؤال.. كيف نفكك الفساد؟

س: هل يمكن إصلاح الأحزاب السياسية من الداخل؟
ج: نعم.. بدليل القرارات التاريخية التي صدرت عن الهيئة العُليا للوفد أمس الأول.. وفي مقدمتها إلغاء قرار فصل منير فخري عبدالنور وإعادته إلي منصبه كنائب لرئيس الوفد

0 comments:

Post a Comment

Thanks For your comment
I won't accept any insult in my blog , please keep it clean .
Please smile,life is difficult enough :) !

"Magical Template" designed by Blogger Buster