في الممنوع 4/7/2006
مثلما فعلت الحكومة مع القضاة، تفعل نفس الشيء الآن مع الصحفيين، فاستدرجت مجلس النقابة في فخ الوقوع في مناقشات عقيمة حول مشروع قانون الحبس في قضايا النشر، ولا أقول «منع الحبس»، لأن مشروع القانون عندما يخرج من مجلس الشعب لن يلغي عقوبة الحبس، بل سيبقي عليها في الكثير من الأفعال والتصرفات، وسيضيف إليها جرائم أخري مستحدثة، مثل: التشكيك أو التعرض للذمة المالية
للمسؤولين، وهذا يخالف الوعد الرئاسي الذي صدر عن الرئيس حسني مبارك منذ عامين، والذي وصفه الدكتور فتحي سرور مؤخراً بأنه ليس قانوناً، فالرئيس يتكلم كما يشاء وكما يريد، والبرلمان هو الذي يشرِّع ويصدر القوانين.
وهو كلام جديد علي مسامعنا، ولعلها المرة الأولي التي نعرف فيها أن كلام الرئيس لا قيمة له، ولا ينفذ ولا يعتد به، وأن مؤسسات الدولة لها أن تأخذ به أو لا تأخذ.
وهذا بالقطع غير صحيح وغير حقيقي، والذي جاء علي لسان الدكتور فتحي سرور هو سيناريو متفق عليه مع الدولة ومع الحكومة، وأنا بنفسي شاهد علي ذلك، ففي أزمة القانون المشبوه رقم ٩٣ لسنة ١٩٩٥ المشهور بقانون اغتيال حرية الصحافة، كانت التعليمات تصدر من رئيس الوزراء وقتها الدكتور كمال الجنزوري إلي مجلس الشعب مباشرة أثناء إقرار مشروع القانون، ففي نفس الوقت كان وفد من مجلس نقابة الصحفيين مجتمعاً مع رئيس الوزراء في مكتبه، وما كان يتفق عليه الوفد مع رئيس الوزراء يقوم بعدها الدكتور الجنزوري برفع سماعة التليفون ويصدر به تعليمات إلي البرلمان مباشرة.
فكيف يدعي اليوم الدكتور سرور أن ما يقوله رئيس الجمهورية هو مجرد «كلام» وليس قانوناً؟
والفارق بين أزمة القانون ٩٣ الذي غلظت فيه العقوبات إلي الأشغال الشاقة ١٥ سنة علي نشر خبر قد يكون صحيحاً، وبين الأزمة الحالية، هو أن الإرادة السياسية للدولة في عام ٩٥ كانت متوفرة وحاضرة بسبب الضغط الذي تعرضت له من الجماعة الصحفية وبسبب موقفها الموحد في توصيل رسالتها إلي الرأي العام، بينما في الأزمة الحالية، الإرادة السياسية للدولة غير متوفرة وغير راغبة في إصدار قانون يلغي الحبس في قضايا النشر، حتي ولو كان الرئيس مبارك قد تورط من قبل في إصدار تصريح أو وعد بذلك، والجماعة الصحفية اليوم ليست علي درجة قوتها وتوحدها وتماسك صفوفها بالقدر الذي كانت عليه عام ١٩٩٥.
ولذلك، فالحقيقة تضيع الآن ما بين ادعاءات الدكتور مفيد شهاب وبين التصريحات التي تخرج عن نقيب وأعضاء مجلس نقابة الصحفيين.
مفيد شهاب يدعي بأن النقابة وممثليها في لجنة التفاوض وافقت علي جميع مواد المشروع المقترح والمقدم من الحكومة، بينما النقابة تنفي ذلك وتكذبه.
وبين شهاب والنقابة، الحقيقة غائبة، وهذا مقصود في حد ذاته، أن تغيب الحقائق وأن يدخل الصحفيون في جدل عقيم ماذا قال شهاب، و ماذا قالت النقابة، وتنقسم الجماعة الصحفية علي نفسها.
0 comments:
Post a Comment