9.2.07

رحيل مجدي مهنا.. خبر أحاط به الشك٧ ساعات

رحيل مجدي مهنا.. خبر أحاط به الشك٧ ساعات

١٠/ ٢/ ٢٠٠٨


الآلاف شاركوا في تشييع جثمان مهنا
الساعة الثانية يوم الجمعة الماضي خرج أحد العاملين بغرفة العناية المركزة بمستشفي وادي النيل ليطلب من م. عادل مهنا، شقيق الكاتب الصحفي مجدي مهنا، أن يدخل ليلقن شقيقه الشهادة، في الوقت الذي كان فيه عادل يتلقي مكالمات للاطمئنان علي مجدي..
فانهار وأبلغ محدثيه بوفاة شقيقه، وانتشر الخبر كالبرق، حتي بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط، وانتقل إلي المستشفي علي الفور م. صلاح دياب ومنصور حسن والصحفيون ضياء رشوان، حلمي النمنم، أحمد المسلماني، مدحت حسن، محمود مسلم، سليمان جودة، ليكتشفوا أن مجدي مازال حيا، لكنه يصارع الموت، في الوقت الذي كان فيه مجدي الجلاد، رئيس تحرير «المصري اليوم» في الإسكندرية مشاركا في إحدي الندوات، فاضطر إلي العودة فورا، وهو يتابع تليفونيا ويتصل لإبلاغ النفي.
في المقابل، وقف أعضاء حزب الوفد دقيقة حدادا علي روح مهنا أثناء جمعيته العمومية، وتشكلت غرفة عمليات لنفي الخبر في جميع الصحف، وغادر الجميع المستشفي باستثناء الجلاد، الذي ظل حتي العاشرة والنصف مساء، ولحقه بعد ذلك محمد رضوان، مدير تحرير «المصري اليوم»
والزملاء محمود مسلم وطارق أمين وسامي عبدالراضي، ودخل الجلاد ورضوان ومسلم إلي غرفة العناية المركزة ليلقوا النظرة الأخيرة علي مهنا الذي كان معدل نبضه بين ٣٦ و٤٠ وظل الثلاثة يدعون له ثم غادر الجميع المستشفي، ليتلقي مجدي الجلاد بعد دقائق خبر الوفاة،
 ليعود مرة أخري للمستشفي مع الزملاء محمود مسلم وأحمد المسلماني وحسام عبدالهادي وضياء رشوان، لإبلاغ الجميع بالخبر والتأكيد علي أنه صحيح هذه المرة، وإبلاغ الطبعات الثانية في الصحف القومية، كما أذاعه التليفزيون المصري وقنوات دريم والمحور والجزيرة، ليصبح خبر رحيل مجدي مهنا تحت التشكيك لمدة ٧ ساعات.

مجدى مهنا إنساناً

مجدى مهنا إنساناً

٨/ ٢/ ٢٠٠٩
بعد زمالة وصداقة مع الراحل العزيز مجدى مهنا امتدت إلى ما يزيد على العشرين سنة، أستطيع أن ألخص شخصيته فى نقطتين أساسيتين: الأولى هى فى الغياب شبه الكامل لـ«الأنا» المتضخمة، التى تعتبر مرض المثقفين الأول فى مصر والعالم.
والثانية فى تجاوزه لكثير من الصغائر عند تعامله مع الآخرين بمن فيهم من ناصبه العداء دون وجه حق، إضافة إلى استغنائه عن كل ما يصنع الوجاهة الاجتماعية ويحط من القيمة الإنسانية.
 كان مجدى مهنا ـ رحمه الله ـ إنساناً حقيقياً، قبل أن يكون كاتباً مخلصاً متحيزاً للضعفاء المقهورين والمظاليم من أبناء هذا الوطن.
راهن مجدى مهنا على الحق والعدل والحرية فى كل ما كتب.. فأحبه الناس، واحترمه الخصوم، فكسب بما عمل الدنيا والآخرة
عائشة أبوالنور

مجدى مهنا يختار لكم مقالاته التى لم تنشر

مجدى مهنا يختار لكم مقالاته التى لم تنشر

٨/ ٢/ ٢٠٠٩
هكذا كتب مجدى مهنا مقدماً لمقالات خطها بيده ولم تنشر، أثناء فترة رئاسته لتحرير جريدة «الوفد».. وبعيداً عن الأسباب.. تنشرها «المصرى اليوم» مع مقدمة صاحبها الراحل:
عزيزى القارئ..
هذه نماذج من بعض المقالات التى لم تنشر من مقال «فى الممنوع»، وأرجو ألا تسألنى لماذا لم تنشر.. فأنا أحياناً أعرف السبب.. وأحياناً لا أعرف السبب.. وأرجو ألا تسألنى ثانية: وكيف لا تعرف السبب وأنت رئيس التحرير؟ وإجابتى: هذه هى الحقيقة التى أرجو أن تصدقنى فيها»..
 وقد تسأل مرة ثالثة: وكيف تقبل ذلك؟ وإجابتى: هذه قصة أخرى طويلة تحتاج إلى بيان وإلى شرح وإلى توضيح.. وإن كنت أعتقد أن بعض أجزاء من هذه القصة أنت على علم بها.. أو على الأقل متابع لها عن بعد

*****
صفارة الرئيس بوش
يخيل إلىَّ أننا فى عالمنا العربى الآن أشبه بالقطار.. الذى يسير بلا سائق.. وبلا فرامل.. وبلا محطات.. ويسير على غير هدى.. وبلا هدف ولا يعرف وجهته وإلى أين يذهب.. فلا نحن مدركون لقيمة الوقت ولا لقيمة الزمن.. والأمن العربى غائب تمامًا داخل القطار.. هناك جنود وقوات وأسلحة وأموال تنفق ولكن يبدو أن لهذه القوات مهمة أخرى غير مهمة تأمين وحماية القطار وركابه.
كل عربة فى القطار ليست لها علاقة بالعربة التى تسبقها أو التى تخلفها، وركاب القطار مشغولون بأشياء ثانوية ويمضون الوقت فى التفكير فى قضايا بعيدة كل البعد عن حاضرهم المظلم ومستقبلهم الأشد إظلامًا.
ونظرة سريعة على أحوال القطار العربى تكشف إلى أى مدى الفوضى التى يعيشها ويعانى منها ركابه.
آخرها العربة الليبية.. ففى الوقت الذى ينتظر منها وغيرها من العربات الأخرى أن تساهم بدور فعال فى إنقاذ القطار قبل الاصطدام المروع واشتعال الحرائق بداخله.. نجدها تحاول الفكاك وتعلن رغبتها فى الانفصال عن باقى العربات.
وعربة السودان موبوءة وتحاصرها الأمراض.. ومشغولة بالحرب الدائرة فى جنوبها بقيادة قوات جون جارانج.. ومشغولة أيضًا بمحاصرة الضربة الأمريكية التى تحاول الضغط على حكومة الخرطوم للتسليم بالشروط التى يضعها جارانج.. أى التسليم بانفصال الجنوب عن الشمال.. أو القبول بوصول جارانج إلى الخرطوم.
وبقية عربات القطار تتفرج على ما يحدث فى عربة السودان.. وكأن النار المشتعلة فيها لا يمكن أن تصل إلى العربات القريبة منها.
ثم عربة العراق.. وما أدراك ما عربة العراق.. الكل يتوقع أن تحترق فى أى لحظة.. ومع ذلك فلا توجد وسائل دفاع أو أجهزة حريق، والبعض داخل القطار يساهم بدور ظاهر أو خفى فى إشعال الحريق بداخلها.
وعربات القطار الأخرى فى خبر كان.. مشغولة بالكلام الأجوف.. ومشغولة بنفسها وكيف تنقذ نفسها.. وتركت العربة العراقية تواجه مصيرها المحتوم الذى قرره لها «القرصان» الجالس فى البيت الأبيض.. الذى يدعى أن أمنه مهدد إذا لم يشعل النار فى العربة العراقية.
صورة مأساوية أو لوحة سريالية.. شارك فى رسمها وصنعها كل ركاب القطار.. ويتحمل نتائجها الجميع.
والجميع ينتظر صفارة الرئيس الأمريكى جورج بوش.. والقطار العربى يتحرك بسرعة.. بلا سائق وبلا فرامل وبلا قضبان وبلا محطات

*****
أزمة ضمير
ما هو الضمير؟ الضمير هو ما أعتقده أنا.. أو ما تعتقده أنت.. أو ما نعتقده أنا وأنت معاً. وهو هنا يسمى الضمير العام.. أى ضمير الشعب.
أى أن هناك الضمير الشخصى.. ثم هناك الضمير العام الجمعى، ولو فتش كل واحد منا بداخله لاكتشف أنه يعانى من مشكلة مع ضميره. ومن مجموع هذه الأزمات يتكون فى النهاية ما يمكن تسميته أزمة ضمير فى المجتمع كله.
وبصراحة وبلا مواربة.. فنحن فى مصر كما فى العديد من دول العالم الثالث نعانى من أزمة ضمير، سببها غياب الشفافية وتفشى ظاهرة حكم الفرد من خلال سنوات طويلة من القهر وكبت الحريات العامة والخاصة، والعدوان على حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، وكذلك غياب الأسلوب الديمقراطى فى الحوار.. بل غياب الحوار أصلاً.
وقد يجمع الرأى العام أو غالبيته على رفض سياسة معينة أو على بقاء مسؤول فى موقع معين.. إما لفشله فى إدارة هذا الموقع.. وإما لأنه التصق بالكرسى سنوات طويلة، وقد يجمع الشعب على ضرورة التغيير الذى هو سنة الحياة.. وينتظر هذا التغيير أن يحدث.. لكنه لا يحدث أبداً، فتكون النتيجة أن يصاب المجتمع بأزمة ضمير لا يعرف كيف الفكاك منها.. وعندما يصل الشعب إلى هذه الحالة يفقد الثقة بنفسه وبمن حوله.. ولا يثق فى أى قرار يصدر.. ولا بأى سياسة يتم إقرارها.
وعلى المستوى القومى فأزمة الضمير هى المسؤولة عن حالة الضعف وفقدان الإرادة التى تعانى منها الجامعة العربية.. فنحن هنا أمام ضمائر تعبر عن سياسات متعارضة.. وكارهة لبعضها البعض.. حتى لو تظاهرت بعكس ذلك، كما أن أزمة الضمير هى المسؤولة عن حالة التمزق التى يعانى منها الشعب الفلسطينى، ومن فقدان الثقة بقياداته وبسلطته الوطنية، ومسؤولة أيضاً عن تفشى الأمراض الاجتماعية فى مجتمعاتنا العربية مثل الكذب والنفاق والسلبية وتدنى الأخلاق.
أخطر ما يواجه أى مجتمع وأى أمة.. هو أن تعانى من أزمة ضمير.. وأن يدخل ضميرها العام فى غرفة الإنعاش.. واليوم الذى ستصحو فيه ضمائرنا ونتخلص من مركبات النقص عندنا سيختفى الديكتاتور الصغير الذى بداخلنا، وسنتعود على الحوار وتقبل الرأى الآخر.. وسنتذوق طعم تداول السلطة والديمقراطية الحقيقية وليست المزيفة.. وسيبادر أى مسؤول يفشل فى موقعه بتقديم استقالته.. لأن لديه ضميراً.. وإذا لم يسمح له ضميره بذلك.. فالضمير العام هو الذى سيجبره على ذلك

 *****
حيوانات الجيزة
فى طريق ذهابى إلى عملى وفى طريق عودتى.. أشاهد يومياً حديقة الحيوان بالجيزة. ولم أفكر يوما فيما آلت إليه أوضاع الحديقة من الداخل وكيف تعيش حيواناتها.. هل تئن وتتوجع هى الأخرى مثل غالبية المصريين الذين يعيشون خارج أسوار الحديقة.
أمس الأول ذهب بعض أقاربى إلى الحديقة وأخبرونى عن حالها الذى لم يعد يسر عدواً ولا حبيباً، وكيف أن أحوالها ساءت كثيراً عن آخر مرة ذهبوا فيها إليها.
كيف؟ قالوا: يكفى أن ترى منظر الفيل الذى تغطيه طبقة من السواد الكالح.. وكأنه لم يستحم منذ شهور طويلة، والغريب أنه بلا أنياب.. كأن هناك من نزعها عنه أو كسرت بفعل حالة الضعف والوهن الذى أصابه، وقال لهم الحارس إنه وحيد ولا يوجد غيره فى الحديقة.
أما ملك الغابة.. فحاله يرثى لها.. وتحول إلى فأر الغابة.. فالأسد القوى الذى تخشاه كل الحيوانات.. أصبح ضعيفاً ومكسور الجناح وغلبان وهفتان ومنظره لا يدل أبداً على أنه أسد.. بطنه مشفوط إلى الداخل وكأنه لم يتناول الطعام منذ خمسة أيام. وينظر إلى الأطفال وهم يتناولون الأطعمة.
وماذا عن نظافة الحديقة؟ قالوا تحدث عنها ولا حرج، تنبعث من الحيوانات روائح كريهة، والقاذورات تغطى بيوت الحيوانات وتحيطها من كل جانب.. والناس تفترش الأرض.. والكافتيريات المنتشرة فى أرجاء الحديقة خالية تبحث عن زبائن.. والناس تهجرها لارتفاع الأسعار بها ولضعف قوتهم الشرائية.
وسألت عن الحراس وعمال النظافة.. قالوا: هؤلاء أصبحوا عملة نادرة.. فالكثير منهم يبدو أنه تم تسريحه مع برنامج الخصخصة وفى نظام الخروج المبكر إلى المعاش.. وقلة موارد الحديقة وضعف الإمكانيات هما السبب فى الحالة المزرية التى عليها حديقة حيوانات الجيزة، التى كانت من أهم حدائق الحيوان فى العالم.
وأدهشنى أن يقولوا إن الناس فى الحديقة تتفرج على نفسها.. فلا توجد حيوانات يتفرجون عليها.. والكثير منها اختفى أو انقرض أو مات وبيوت بالكامل للحيوانات أغلقت.. ولم يعد يرتادها أحد.
ثم سألت نفسى: ولماذا الدهشة؟ فحال الحديقة وحال حيواناتها من أحوال الناس الذين يعيشون خارج أسوار الحديقة، وليس من المعقول أن يعانى المواطن المصرى.. ولا تشاركه حيوانات الحديقة المعاناة نفسها.. والألم نفسه.. فالمشاركة هنا واجبة.
مشكلة حيوانات الجيزة أن أحداً لا يستمع إلى صراخها وأنينها وشكواها.. ولا يفكر فى أحوالها.
وبالنيابة عن كل الحيوانات.. أرفع هذا الالتماس إلى كل من يهمه الأمر للنظر بعين العطف إلى أحوالها البائسة.. وأن يخصص لها بصورة عاجلة قرضاً من القروض التى انهالت على مصر من الدول المانحة.. لإنقاذها من الحالة السيئة التى وصلت إليها.
وبالنيابة عنها أيضاً أشكر كل من يساهم فى حل هذه المشكلة والأجر والثواب عند الله
 *****
نائب الرئيس
سألنى قارئ: لماذا لم يعين نائب رئيس الجمهورية حتى الآن؟
قلت: وهل هناك موعد معين سيصدر فيه هذا القرار؟ إن كل ما قاله الرئيس حسنى مبارك فى إجابته عن سؤال مراسلة صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أنه يعكف على دراسة هذا الملف حالياً، وأنه أمامه عدة أسماء وخيارات، وأنه عندما ينتهى من الدراسة والفحص سوف يُصدر القرار.
قال: واليوم مضى أكثر من ثلاثة شهور على سؤال الصحيفة الأمريكية وعلى إجابة الرئيس مبارك، ولم يحدث شىء.
قلت: نحن ننتظر منذ حوالى عشرين عاماً.. فكيف لا ننتظر بضعة أسابيع أو شهور أخرى؟ ثم هل تقصد من كلامك أن قضية نائب رئيس الجمهورية ستظل معلقة، وأن الرأى العام عليه الانتظار حتى موعد الزيارة القادمة التى سيقوم بها الرئيس إلى الولايات المتحدة الأمريكية لفتح هذا الملف من جديد؟
قال: أنا لم أقل ذلك.. لكننى تصورت أن القرار سيصدر فى خلال أيام أو أسابيع على الأكثر، وأن باب التساؤلات والشائعات التى تتردد من وقت لآخر سيغلق تماماً.
قلت: هل تقصد أن الشائعات يمكن أن تعود من جديد، بالرغم من الإجابة الحاسمة والقاطعة للرئيس مبارك، التى حسم فيها قضية من يشغل منصب نائب الرئيس؟
قال: نعم، ففى المرات الكثيرة السابقة التى كان يُطرح فيها هذا السؤال على الرئيس.. كان يجيب بأنه سوف يصدر القرار فى الوقت المناسب.. ولم تتغير هذه الإجابة أبداً، لكن بعد إجابته على صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية» تصور الرأى العام أن الوقت المناسب قد حان، فلماذا هذا الغموض الذى يحيط بهذا الملف من جديد؟
ووجدت نفسى أعيد وأكرر نفس الأسئلة على القارئ، ثم يعيد هو على مسامعى الإجابات نفسها، ثم نتبادل المواقع.. هو الذى يسأل وأنا الذى أجيب، وفى نهاية الحوار الذى امتد أكثر من ساعة، اكتشفنا أننا لم نصل إلى شىء، وأننا ندور فى حلقة مفرغة، وأننا لم نصل إلى معلومة واحدة، وأننا نعود إلى نقطة الصفر أو إلى المربع رقم واحد كما يقولون.. وهو السؤال: متى يعين نائب رئيس الجمهورية؟
 *****
الدستور.. الدستور
يفكر الرئيس الباكستانى برويز مشرف فى تعديل الدستور بما يسمح له بالبقاء فى منصبه لمدة أو لمدد أخرى، والدستور الباكستانى يسد الطريق حالياً على الرئيس مشرف.
ومنذ أيام نشرت الصحف أن الرئيس السودانى عمر البشير، يسعى إلى اتخاذ خطوات لتعديل الدستور بما يسمح له بالبقاء فى منصب رئيس الجمهورية لفترة أو لفترتين قادمتين.
وفى لبنان، تم تعديل الدستور منذ عامين لكى يسمح للرئيس إميل لحود بترشيح نفسه فى انتخابات رئاسة الجمهورية، وكان الدستور اللبنانى يمنع ترشيح ضباط الجيش فى المناصب المدنية إلا بعد مرور عامين على ترك العمل بالقوات المسلحة، فتم تعديل هذا النص خصيصاً للرئيس لحود وبرغبة سورية.
وبعض دول العالم الثالث ومنها مصر، أراحت نفسها منذ سنوات بعيدة.. وقامت بتعديل الدستور بما يسمح لرئيس الجمهورية بترشيح نفسه لمدد أخرى.. أى مدى الحياة. وهذا التعديل أجرى فى فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات.
وتصبح القضية الرئيسية والأولى التى تشغل بال هؤلاء الحكام هى الحفاظ على كراسيهم وعلى مناصبهم وبذل كل جهد لتأمين أنظمة حكمهم، بدعوى حماية الاستقرار والحفاظ على مصالح الشعب.
هذه الظاهرة التى تعرفها دول وشعوب العالم الثالث.. لا وجود ولا أثر لها فى دول العالم الحر والديمقراطى.. فلا يجرؤ الرئيس الأمريكى أو الفرنسى أو أى رئيس فى أى دولة أوروبية، على تعديل الدستور لصالحه بما يسمح له بالبقاء فى منصبه مدى الحياة، بل تمنع الدساتير فى كثير من هذه الدول أن يرشح الشخص نفسه أكثر من فترتين رئاسيتين متتاليتين، وبحد أقصى ثمانى سنوات كما فى الولايات المتحدة الأمريكية، أو عشر سنوات كما فى فرنسا.
ولماذا نذهب بعيداً.. ففى منطقة الشرق الأوسط دولة استعمارية قائمة على السلب والنهب واغتصاب حقوق الغير.. هى إسرائيل، لا يجرؤ أى حاكم فيها.. رئيس دولة أو رئيس وزراء، على تعديل الدستور لصالحه.
وأى مسؤول إسرائيلى مهما كبر منصبه، لا يستطيع ارتكاب مخالفة صغيرة مالية أو انتخابية، وإذا سولت له نفسه ذلك، فالتحقيقات والمحاكمة والملاحقة القضائية تطارده.
ومنذ أيام تم استجواب رئيس الوزراء الإسرائيلى آرييل شارون فى قسم الشرطة، واستمر سبع ساعات كاملة.
إن غياب التغيير.. وفقدان الأمل فيه، هو الذى يدعو الناس إلى الإحباط واليأس.. ويفقدهم الثقة فى حكامهم وفى أنفسهم وفى المستقبل، وفقدان الثقة هو أخطر الأمراض التى تهدد حياة أى أمة.     ء

فارس الكلمة يكتب مقدمة كتابه الذى سيصدر خلال أيام

فارس الكلمة يكتب مقدمة كتابه الذى سيصدر خلال أيام: لا أنظر إلى الخلف أبداً.. وأرى النور فى أشد الليالى حلكة وظلمة

٨/ ٢/ ٢٠٠٩
هذه الكلمات كتبها الراحل الكبير مجدى مهنا قبل وفاته ولم تنشر.. إذ كانت نيته قد انعقدت على إصدار كتاب يجمع مقالاته بعد إلحاح المقربين منه والقراء.. ولكن القدر شاء ألا يصدر هذا الكتاب.. لذا فإن «المصرى اليوم»، وهى تتذكر معكم مجدى مهنا فى ذكرى رحيله الأولى، حرى بها أن تحقق هذا الحلم بإصدار الكتاب الأول لمقالات وكتابات مجدى مهنا، الذى ستجدونه فى المكتبات خلال أيام قليلة.. وإليكم كلماته التى كتبها بخط يده:
أكثر من صديق نصحنى بتجميع بعض مقالاتى «فى الممنوع» خلال فترة زمنية معينة وإصدارها فى كتاب.. على حسب تاريخ نشرها.. أو تبويبها على حسب نوعية الموضوعات والقضايا التى تناولتها بالنقد والتحليل.
وأعترف بأن الفكرة لم تستهونى فى البداية، وأخذت منى بعض الوقت للاقتناع بها.. فالكتابة بالنسبة لى هى فعل إرادة.. ما إن أفرغ من كتابة الفكرة حتى تنتهى علاقتى بها.. وأتركها تحدث ما تشاء من ردود فعل.. مؤيدة أو معارضة لها.. ثم أبحث عن فكرة جديدة ومقال جديد وفعل جديد.
كما أن الكتابة بالنسبة لى هى طلقة تخرج من فوهة قلمى، وتستقر فى المساحة التى أكتب فيها.. ومنها إلى عقل ووجدان القارئ.. فكيف بعد أن خرجت الطلقة وبعد أن أحدثت تأثيرها.. الإيجابى والسلبى على حد سواء.. أن أستعيدها مرة أخرى وأعيد إطلاقها من جديد.
سبب آخر هو أننى لا أنظر إلى الخلف أبداً.. ودائماً ما أنظر إلى الأمام.. وأرى النور فى أشد الليالى حلكة وظلمة.
هذا ما ناقشته مع أصدقائى، وكان ردهم علىّ، أن كثيراً من مقالات «فى الممنوع» لم تكن طلقات فشنك.. ولم تكن دخاناً فى الهواء.. والكثير منها أحدث أثراً.. وترك صداه لدى القارئ والرأى العام.. ولدى الدولة أيضاً.. وأغلب القضايا التى تناولتها بالكتابة مازالت قائمة ومازالت صالحة للنشر.. لأن ما حدث ويحدث منذ سنوات طويلة، هو أننا ندور فى المكان ولا نبارحه.. ولا نتحرك بعيداً عنه.. والتغيير الذى ننتظره ونأمله لا يحدث أبداً.. على جميع الأصعدة السياسية والحزبية والصحفية والاقتصادية والاجتماعية.
ما يجرى من تغيير هو مجرد قشور على السطح.. أما الجوهر فواحد لم يتغير ولن يتغير.. إلا إذا تغير الذين يعادون التغيير.. لأنهم يفهمون التغيير على أنه تغييرهم شخصياً، وليس أحداً سواهم.. ويفسرون عدم التغيير على أنه إحدى دعائم الاستقرار.
ولهذا.. ستبقى من وجهة نظر بعض الأصدقاء مقالات «فى الممنوع» حية وشاهدة على ضياع حلم التغيير.. بل وحافزة على ضرورة إحداث هذا التغيير.
وفى البداية فكرت فى ترتيب المقالات على حسب نوعية القضايا والموضوعات التى تناولتها فى مقال «فى الممنوع».
باب يتناول القضايا الداخلية.. وآخر يتناول القضايا الخارجية.. وهكذا.. ولكننى فضلت نشر المقالات حسب الترتيب الزمنى لها.. ولا بأس من أن تحتوى صفحات الكتاب على مقال فى قضية داخلية ويعقبه مقال فى قضية خارجية، فهذه إحدى سماتى الشخصية فى الكتابة.. إننى لا أحصر نفسى فى نوعية معينة من الموضوعات ولا أقصرها عليها..
وأحياناً تواتينى فكرة مقال، فأحدد البداية.. لكننى لا أعرف أبداً كيف سينتهى المقال.. بل كل جملة وكل فقرة فيه أتناولها بشكل عفوى وتلقائى.. فيأتى المقال فى النهاية بالشكل الذى عهده القارئ.. عفوياً وتلقائياً وطازجاً وصريحاً وصادراً من القلب للقلب.
ومقال «فى الممنوع» عادة لا أكتب له عنواناً آخر، مثلما يفعل غالبية الكتاب، وإنما أكتفى بكتابة كلمة «فى الممنوع» فى بدايته.
وفى هذا الكتاب، حذفت كلمة «فى الممنوع» لأنها مكتوبة على غلاف الكتاب.. وكتبت عنواناً آخر لكل مقال.. لأنه من حيث الشكل لا يجوز كتابة مقال «فى الممنوع» ١١٦ مرة.. هو مجموع المقالات التى قمت باختيارها خلال الفترة من ١٣ يوليو ٢٠٠١ وحتى ٢٨ أكتوبر ٢٠٠٢، وقد أعود فى تاريخ لاحق إلى تكرار التجربة فى كتاب آخر عن فترة سابقة أوسع وأكبر.. هذا إذا لاقت هذه التجربة استحسان القارئ، مع تضمينها الكثير من الأسرار التى تكشف عن المستوى الذى وصلت إليه حياتنا السياسية والحزبية والصحفية.
وفى نهاية الكتاب، خصصت فصلاً عن بعض المقالات التى لم تنشر.. ولعلى فى كتاب قادم أتوسع فى هذا الجانب.   ب

سلام الله يا مجدى

سلام الله يا مجدى

٨/ ٢/ ٢٠٠٩
سلام الله يا مجدى.. سلام سوف يؤنسنا.. إذا ما كنت فى القرب.. وحين تكون فى البعد.. سنذكرك أنك الحب الذى قد كان يؤنسنا ويأخذنا.. إلى دنيا معطرة بريح الورد والود.. فصدقك لم يزل فينا يحيينا وينجينا.. فنقرأ سفرك الغالى الذى خبأت فى الصدر.. من الأذكار والورد.. سنذكرك أنك الطيف الذى كانت عرائسه تذكرنا.. بنبل الشوق والقصد..
 سلام الله يا مجدى.. فغيرك لم يعد فى خطبنا يجدى.. ولا فى موتنا يسدى.. و«فى الممنوع» كم رحنا نفتش فيه عنك فى كتب حزينات.. وفى شهب عزيزات.. وعانينا من التخان والوجد.. كأنك لؤلؤ غال نأى عنا... كأنك غاضب منا.. فهل يوماً نسيت أننا كنا.. على وعد.. مع الشاشات حين تطل عن قرب.. وحين تكون فى البعد.. ومصر اليوم كم حزنت عرائسها..
 فتذكر أنك الطفل الذى قد كان يزرعها.. بتيجان مرصعة بحق الشعب.. حين منعت من شوك... وحين تراه يا مجدى.. بأنك قد تركت الأرض مختارا.. لأن حروفك الخضراء ما وجدت حدائقها.. وأشعل كل حلاف حرائقها.. وقد تأتى رجال بعد أن تمضى.. تصدقها وتعشقها وقد تجدى.  ب
جلال عابدين
القاهرة

الإعلامى الصادق الشريف

الإعلامى الصادق الشريف

٨/ ٢/ ٢٠٠٩
مضت الساعات والأيام سريعة، فلقد كنت بالأمس فقط أزوره فى مستشفى «وادى النيل» بعدما علمت أنه أجرى عملية خطيرة، ولم يستطع لا هو ولا أنا أن نتبادل الكلمات ولكن كانت نظرات كلها حب وتقدير وحنان، وخرجت وعيناى مغرورقتان بالدموع أردت أن أخفيها حتى لا يتأثر.. كانت هذه هى اللقطة الأخيرة لعلاقة بدأت منذ سنوات عشر تقريباً بينى وبين هذا الإنسان الرقيق النقى الواضح مجدى مهنا.
ومن المصادفات الغريبة أن العلاقة بدأت باتصال منه عندما كان يقدم برنامج «فى الممنوع» فى قناة دريم، وطلب منى أن أسجل معه حواراً عن الأوضاع فى تلك الفترة من نهاية التسعينيات من القرن الماضى، وبالمرة نتجاذب الحديث عن الحقبة الناصرية.
ولما علمت منه أن الحوار سيكون مسجلاً اعتذرت، لأنى أخذت على نفسى عهداً بألا أسجل أى حوار تليفزيونى، ولكن أقبل الحديث على الهواء مباشرة، ولكن مجدى ألح وكرر الوعد بأنه مسؤول وستتم إذاعة الحوار دون استخدام أسلوب القص واللصق وأن كل كلمة سأنطق بها سوف تذاع..
 وقد بر بوعده، وكان الحوار من أمتع الحوارات التى قمت بها.. ومن يومها ولدت صداقة شريفة وعلاقة إنسانية قامت على أساس احترام متبادل، وأقول احترام متبادل لسبب سياسى، وهو أن مجدى كان وفدى التوجه وأنا كما هو معروف ناصرى التوجه، وهناك بعض الخلافات فى الرؤى، ولكننا أقمنا علاقة تقوم على مبدأ أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية..
مجدى مهنا كان وسوف يظل يجسد النقاء والشرف والوضوح فى الرؤية والدفاع عن حرية الإنسان وحقه فى حياة كريمة فى مجتمع متوازن... رحم الله الصديق العزيز الصحفى والإعلامى الشريف مجدى مهنا وأسكنه الله فسيح جناته وألهم عائلته وأحباءه الصبر.    ب
سامى شرف
سكرتير الرئيس جمال عبدالناصر للمعلومات
وزير شؤون رئاسة الجمهورية الأسبق

١٢ عاماً من الدفاع عن الحرية


١٢ عاماً من الدفاع عن «الحرية»  ء
كتب   على زلط  8/2/2009
 
فى سن مبكرة من مسيرته كصحفى، بدأ مجدى مهنا حياته النقابية، وسرعان ما انتخب عضوا فى مجلس نقابة الصحفيين لأول مرة عام ١٩٨٩، ليظل عضوا فى المجلس ٣ دورات متتالية، تبنى خلالها العديد من المواقف التى أظهرت تحيزه الواضح لمبدأ استقلال النقابة كضمانة أساسية لحرية الكلمة.
زملاء مهنا فى العمل النقابى أجمعوا على ريادته ليس فقط كقلم مميز بين أبناء جيله، ولكن بين أجيال الصحفيين المتعاقبة. ويذكر يحيى قلاش، سكرتير عام النقابة السابق، معارك مجدى المبكرة، ضد قانون نقابة الصحفيين الذى صدر عام ١٩٩٣، حيث تسبب إدخال الحكومة بعض التعديلات على قانون النقابة فى اندلاع أزمة وصفت بأنها الأعنف فى تاريخ العلاقة بين الصحفيين والحكومة.
 ويتذكر قلاش ذلك اليوم الحار من أكتوبر ١٩٩٣، حين التقى مجدى مهنا على سلم المقر القديم لنقابة الصحفيين، ويقول: «كان وجهه متجهما وقال لى، اقرأ جريدة الوفد غدا وكلمنى صباحا». ونشر مهنا فى مانشيت جريدة «الوفد» خبر القانون الجديد، واصفاً إياه بالكارثة، لما فيه من انتقاص لحرية الصحفيين.
 ألهب مجدى مهنا حماسة الصحفيين ضد قوانين سلب الحريات الصحفية، وسرعان ما تداعى الصحفيون لمؤتمر حضره ١٢٠٠ من جمعيتهم العمومية لرفض القانون، الذى سماه المرحوم كامل زهيرى نقيب الصحفيين السابق بـ«القانون اللقيط»، وامتاز موقف مجدى على مدار فصول المعركة بالثبات، حيث أصر فى أزمة القانون ١٩٩٥ على اتخاذ موقف حاسم وسريع. ويضيف قلاش: «وقتها كان إبراهيم نافع، نقيب الصحفيين مسافرا للخارج، فكان مجدى مهنا أول المتواجدين فى النقابة لبحث رد فعل سريع، وقرر المجلس أن يتوجه الراحل جلال عيسى بمطالب الصحفيين للرئيس مبارك.
وتصادف أن كان عيد الإعلاميين هو أول مناسبة تجمع المثقفين بالرئيس مبارك، والتزم المرحوم جلال عيسى بمطالب الصحفيين، وطالب الرئيس مبارك بعدم التصديق على القانون، الذى استمر النضال الصحفى فى مواجهته، وقرر مجلس النقابة عقد جمعية عمومية للصحفيين، ظلت فى حالة انعقاد دائم ١٤ شهرا، حتى انتصر الصحفيون فى جولة الحريات بصدور القانون ٩٦ لسنة ١٩٩٦، الذى مثل انفراجة مؤقتة فى الأوضاع.
 ويتذكر صلاح عبدالمقصود، وكيل نقابة الصحفيين، اجتماع الرئيس مبارك بمجلس النقابة مرتين أثناء أزمة القانون ٩٣ لسنة ١٩٩٥، مؤكداً أن مجدى مهنا كان من أشد المعارضين للحبس فى قضايا النشر، حتى نجح مع باقى أعضاء المجلس فى إقناع الرئيس بإلغاء المادة ٦٥ من القانون، وهى المادة الوحيدة التى تجيز حبس الصحفيين احتياطيا، فى قضية سب رئيس الدولة، وكان الرئيس مبارك وافق على إلغائها من القانون، إلا أن كمال الجنزورى رئيس الوزراء، وصفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك أصرا على بقائها، وهو ما رفضه الصحفيون.
لم ينصب اهتمام مجدى مهنا على قضية الحريات فقط، فقد كان من أكثر المهمومين بالظروف المعيشية للصحفيين، ويتذكر عبدالمقصود المناقشات الطويلة التى عقدها مهنا لإعداد لائحة أجور عادلة للصحفيين. ويضيف: «تميز باستقلال قراراته عن أى ولاءات حزبية، وكان يخلع عباءته الحزبية على باب النقابة» .
ويحسب الصحفيون لمجدى مهنا أنه كان من الشباب الذين التفوا حول كامل زهيرى، فى مواجهة محاولات الرئيس السادات تحويل النقابة إلى ناد اجتماعى، فحارب الفكرة بقوة. ولكل هذه المواقف، كما يقول عبدالمقصود، توجه العديد من الصحفيين للراحل مجدى مهنا، وطالبوه بالترشح لمنصب نقيب الصحفيين للدورة الحالية، إلا أنه اعتذر بسبب ظروفه الصحية.
ورغم اشتداد الألم على الراحل، فإنه أصر على مواصلة عطائه للمهنة ونقابتها، فكثيراً ما تحامل على نفسه وتوجه للنقابة للإدلاء بصوته فى انتخاباتها، لكن لجنة مراقبة الانتخابات التى شكلها محررو حقوق الإنسان قالت فى تقريرها عن انتخابات نقابة الصحفيين: «تعرض الزميل مجدى مهنا عضو الجمعية العمومية لوعكة صحية وإرهاق شديد قبل الإدلاء بصوته نتيجة للتزاحم وتدافع الناخبين أمام اللجان» . كان القدر أسبق من مجدى مهنا، ليغيبه الموت، وهو من وهب حياته لقدسية الكلمة، وبقى وفيا لحرية الصحافة حتى آخر لحظة.   ب
  

فارس الكلمة

فارس الكلمة

٨/ ٢/ ٢٠٠٩
هناك أناس يعيشون بيننا حتى وإن سبقونا إلى العالم الآخر نشعر بهم من حولنا كل يوم فى كل كلمة حق أو رأى شجاع.. ففى مثل هذه الأيام رحل عنا فارس الكلمة المناضل مجدى مهنا، الذى سقط من على جواده والقلم فى يده، يأبى أن يتركه حتى يودعه إلى مثواه الأخير..
ورغم أنى لم أحظ بلقائه شخصياً أبداً فإننى كنت واحداً من محبيه، الذين كانوا دائماً على موعد مع كلماته فى الممنوع، وكتاباته المتميزة فى صحيفة «المصرى اليوم»، وبرنامجه التليفزيونى على قناة «دريم»، حيث كان يتبنى قضايا الدفاع عن الحريات العامة والإصلاح الديمقراطى، كما تصدى بشجاعة لقضايا الفساد.
فكان دائماً قاطعاً كالسيف، لا يخشى فى الحق لومة لائم، واليوم وهو فى رحاب الله نراه بيننا يشد من أزرنا فى أوقات صعبة كنا فى أمس الحاجة فيها إلى قلمه وفكره وكلماته، التى كانت تبعث الأمل فى القلوب، فى وقت عزت فيه الأمانى وتراجعت الأحلام.. رحل مجدى مهنا ودموعنا التى ودعناه بها لم تجف بعد وإلى أن نلقاك.. عزاؤنا أنك هناك مع الصديقين والشهداء.
دكتور هانى عبدالخالق
أستاذ إدارة الأعمال

حين تكون الكلمات أهم من كنوز الدنيا

حين تكون الكلمات أهم من كنوز الدنيا

  كتب   دارين فرغلى    ٨/ ٢/ ٢٠٠٩


انصهرت أحلام مجدى مهنا الشخصية فى أحلامه للوطن. فلم نعرف الكثير عن حياته الخاصة، التى كان يعتبرها أمراً لا يخص غيره، حتى أقرب المقربين من أصدقائه.
وكان مجدى مهنا يعتبر تلك الزاوية التى كان يكتب فيها عموده اليومى، أو إطلالته عبر الشاشة ببرنامجه «فى الممنوع»، وسيلتين لتفريغ الأحلام للوطن والتعبير عنها، ومشاركة المصريين فيها، ويعتبر هاتين الزاويتين، ملكاً للقارئ والمشاهد، لذا لم يكن يسمح لنفسه بأن يتطرق من خلالهما إلى أى موضوع قد ينال من حقهما. والآن وبعد مضى عام على رحيله، وصعود روحه إلى بارئها، نتساءل: ألم يكن له حلم خاص، يراوده ويلح عليه، ويتمنى أن يناله؟
الصحفى مدحت حسن، صديق مجدى مهنا، لا تزال ذاكرته تتمسك بأحاديث طويلة دارت بينهما، ومواقف كثيرة تعرضا لها سويا، باح لنا ببعض منها، قائلاً: «كان الستر هو أقصى أحلام مجدى لأسرته فى هذه الدنيا، كان يحلم بألا تحتاج أسرته لأحد بعد وفاته، ويخشى دائماً عليهم، وهو ما تبدى فى أحاديثه معى، وبخاصة بعد تدهور حالته، فى الوقت نفسه الذى لم يكن له أى أحلام يتمنى تحقيقها لذاته.
 حتى بعد أن أصبح مذيعا لامعا، وزاد دخله لم يفكر فى أن يسافر للتنزه خارج مصر، أو أن يشترى لنفسه شقة أكثر فخامة من التى كان يسكنها ويعيش بها، لم يقم بتغيير سيارته، ولم يخطر على باله أن يفعل ذلك، بالرغم من توافر الإمكانات المادية قبل مرحلة المرض التى التهمت كل مدخراته، حلم الثراء وامتلاك المال لم يكن من أحلامه على الإطلاق، كان المال بالنسبة له وسيلة وليس هدفاً.
 وأضاف: لقد تعاملت مع «مهنا» عن قرب، بحكم عملى معه كمعد فى برنامجيه «فى الممنوع» على قناة دريم الفضائية، و«بعد المداولة» فى التليفزيون المصرى، ووجدت أنه لم يكن حالما بالمناصب، ولم تكن تشغله كثيرا ألقاب مناصب تقلدها، مثل رئيس التحرير، كان يشعر أن كلمات مقالاته التى يبثها للناس عبر أى جريدة، أهم من كنوز الدنيا، وزاد هذا الإحساس مع مقاله فى «المصرى اليوم»، حيث كانت تأتيه ردود أفعال عديدة، نظراً لكثرة عدد قرائها.
وأذكر عندما عرض عليه تولى منصب رئيس تحرير جريدة «صوت الأمة»، كنا نجلس أنا وهو وعدد من أصدقائنا، فتحدث معنا فى الأمر، لأخذ رأينا فيه، وبالرغم من أن أغلب أصدقائه رجحوا فكرة قبول العرض، إلا أنه قال إنه يفضل ألا يخسر قراء «المصرى اليوم» إذا قبل المنصب، فهو يرى أنه يحقق ما يكفيه من تواصل مع الناس.   ب

مجدى مهنا «قلمٌ» لم يجفّ من العطاء و«ألمٌ» توارى خلف الابتسام

مجدى مهنا «قلمٌ» لم يجفّ من العطاء و«ألمٌ» توارى خلف الابتسام

  كتب   نشوى الحوفى    ٨/ ٢/ ٢٠٠٩
«كان اهتمامى به شديدًا، ورجائى فيه واسعًا، ولكن من سوء الحظ أن المقادير لم تمنح (مجدى) فرصته كاملة، لكن عزيمته، وكفاءته، وشجاعته، أظهرت طاقة قادرة، برغم مهلة قصيرة أتيحت له، كى يكشف عما لديه، ويبرهن عليه»..
هكذا نعى الأستاذ محمد حسنين هيكل، مجدى مهنا عقب إعلان وفاته فى الثامن من فبراير العام الماضى، ليكون رحيل ذلك الكاتب الصحفى، باسم الوجه، هادئ الطباع، حلو السريرة، ومن قبل كل هذا، صغير السن، وكثير الخبرة، إيذانا بفقد قلم شعر القارئ بصدقه، فآمن به، راضياً بالمكوث معه «فى الممنوع»، وحزن لرحيله كما لو كان على صلة وثيقة به.
لا يمل المقربون من مجدى مهنا الحديث عن دماثة خلقه، وحلو عشرته، ونقاء قلبه، تجاه البشر والحياة، مؤكدين أنه الخجول رغم قوله الحق، القنوع رغم قدرته على الأخذ، المثابر رغم المرض، المنطوى رغم الأضواء. هكذا كان مجدى مهنا تراه على سلم نقابة الصحفيين باشاً مرحباً بكل من يلقاه، وتقابله عند مدخل قناة دريم، متواضعاً تحتضن يداه يد من يُسلم عليه بود، حتى لو لم يكن يعرفه، معبراً عن خلق لطالما شكونا افتقاده فى سنواتنا الأخيرة، خاصة لدى من «فتح» الله عليهم من أهل الصحافة والإعلام، فباتوا يشكون ضريبة الشهرة، حتى لو لم يلاحقهم أحد.
ولكن ظل مجدى مهنا ابن قرية سنتماى بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية على طبيعته النضرة منذ جاء للحياة فى عام ١٩٥٧، والتحق بالعمل فى مجلة روزاليوسف عقب تخرجه فى كلية الإعلام عام ١٩٧٨، ليبدأ فى صناعة اسمه فى عالم الصحافة، بادئاً مشواره الصحفى بحملة موثقة بالمستندات عن الاستيلاء على أراضى الدولة ونهبها.
«قد تظنون أن تحقيقاً صحفياً عن نهب الأراضى موضوع عادى بعد أن وصلت الصحافة أفقاً أوسع من الحرية الآن، ولكنه كان الموضوع شديد الجرأة فى وقتها»، هكذا بدأ الكاتب الصحفى عادل حمودة حديثه، وقال: «التحق مجدى مهنا بروزاليوسف فى فترة ضعيفة صحفياً، وقتها كنت مدير تحرير المجلة، وراجعت بنفسى التحقيق الذى أعده مجدى مهنا، وقد وثقه بجميع المستندات التى تضمن لنا نشره بلا تردد، وحققت الحملة ردود فعل واسعة، بشكل لفت الأنظار لمجدى كقلم صحفى مبشر».
والتحق مجدى مهنا بعد ذلك بالعمل فى جريدة الوفد عام ١٩٨٤، وكان من المعروف عداؤها للناصرية، واليساريين، عكس «روزاليوسف»، وينشر مجدى موضوعاً مع أحد خبراء السموم، يتناول مقتل المشير عبدالحكيم عامر بالسم، وينفى فكرة انتحاره. وتتوالى كتابات مجدى مهنا فى الوفد، التى وجد نفسه صحفياً فيها، فيظل بها سنوات طويلة، حتى تقلد عام ٢٠٠١ منصب رئيس التحرير.
 وجاءت لحظة «فك الارتباط» مع «الوفد» عندما استيقظ قراء الجريدة فى نوفمبر من عام ٢٠٠٢ على خبر إقالة مجدى من منصبه فى صدر صفحتها الأولى، موقعاًً باسم رئيس الحزب وقتها الدكتور نعمان جمعة، يومها قرأ الناس مبررات إقالة مجدى مهنا فى الجريدة، والتى ذكر فيها جمعة أن مجدى مهنا لا يعبر فى مقالاته إلا عن آرائه الشخصية، لا عن موقف الحزب، وأنه انصرف عن ممارسة مهام عمله فى الجريدة، لمتابعة شؤون برنامجه «فى الممنوع» الذى يقدمه على قناة دريم.
 الغريب فى الأمر أن استناد «جمعة» فى إقالة «مهنا» إلى عمله بقناة دريم جاء بعد ما يقرب من ٩ أشهر من بدء عمل مهنا فى القناة، وبثه ما يزيد على ٤٠ حلقة من البرنامج، الذى يحمل نفس عنوان مقاله فى الوفد «فى الممنوع»..
يومها، ورغم الإهانة التى حملها نشر خبر إقالته فى الجريدة بتلك الطريقة، آثر مجدى مهنا عدم الرد على حديث رئيس الوفد، معلناً أنه سيركز جهده فى عمله كصحفى، وعضو مجلس إدارة منتخب فى مؤسسة «روزاليوسف»، إلى جانب عمله فى برنامجه التليفزيونى، منهياً حديثه بالقول: «للدكتور نعمان الحرية فى أى قرار يتخذه»، ليس هذا فقط، بل يصر على رفض المطالبة بأى حقوق مادية له لدى الجريدة، بما فيها مكافأة نهاية الخدمة. رغم عمله بها على مدى عشرين عاماً.
بعد ذلك، جاءت خطوة مجدى مهنا التالية فى «المصرى اليوم»، فى تجربة إصدارها الأولى، التى لم يكتب لها النجاح، رغم الجهود الحثيثة التى بذلت من قبل القائمين عليها، وفى مقدمتهم مجدى مهنا على مدى ١١ شهراً من أجل تحقيق النجاح، ويتركها رافضاً الحصول على أى مقابل مادى، مفضلاً أن يكون له مساحة لمقاله «فى الممنوع» يطل على قرائه عبرها كل يوم، منذ صدورها.
وفى مقاله بالصفحة الأخيرة من «المصرى اليوم» تحدث فى كل شىء دون سقف لما يكتب، ناقداً مواقف المسؤولين، والنظام الحاكم، محافظاً فى الوقت ذاته على مساحة من الود مع الجميع على المستوى الإنسانى، وينشر رسائل قرائه ويعلق عليها.
كان الكاتب الذى ينتقد رموز النظام، ويحتفظ بصداقاتهم واحترامهم واهتمامهم بمتابعة ما يكتب، وكانت عينه على مصر فى المقام الأول والأخير، يبحث عن كل ما يجمل وجهها، ويعيد لها الحياة، يتمسك بكل أمل من الممكن أن يقود البلاد لعصر آخر، مالكاً القدرة على عدم خلط الأوراق ببعضها البعض.
وفى نهاية عام ٢٠٠٤ تبدأ علاقته مع المرض، حينما يكتشف إصابته بفيروس سى، فيرفض أن يكون مرضه مسألة عامة، ويحتفظ بأسرار معاناته لذاته، رافضاً الشكوى لغير الخالق، أو الاعتماد -رغم استطاعته- على الدولة فى نفقات علاجه، ليبيع ما يملكه مما ورثه عن أبيه، ويدبر نفقات العلاج، معرباً عن امتنانه لمن يعرضون المساعدة، متقبلاً قضاء الله بثقة المؤمن فى فضل الرضا، فيمنحه المعين محبة من منحهم الحب فى السابق بلا انتظار لمقابل.
وعبر عن ذلك فى أحد مقالاته بالقول: «أجد نفسى سعيداً، لأن الآخرين يسمحون لى بأن أحبهم، وسعادتى تكون غامرة إذا استطعت تقديم خدمة أو مصلحة لهم، إن الإنسان قد يجد سعادته فى حبه للآخرين دون مصلحة له فى هذا الحب، ودون انتظار أو الحصول على مقابل له، وجاء وقت نفد فيه صبرى من هذا النوع من الحب، لأننى كنت الطرف الذى يحتاج إلى حب الآخرين له، فشعرت به منهمراً كالسيل من شدته، للدرجة التى كنت لا أستطيع الصمود أمامه، فكان يهز كيانى من الداخل، كل ما أستطيع فعله هو البكاء المتواصل الذى لا ينقطع، فما أعطيته من حب قليل، حصلت عليه أضعافاً مضاعفة، مئات وآلاف المرات، من بشر، أغلبهم لا أعرفه».
وتزداد آلام مجدى مهنا، ويزداد معها إصراره على تحملها بمفرده على مدار ما يزيد على ثلاث سنوات بشهور قليلة، ويحاول قدر استطاعته أن يواصل كتابة عموده «فى الممنوع»، رافضاً الخضوع للمرض الذى لم يتركه ليزداد توغله، وتوحشه، ليصبح بحاجة فى عام ٢٠٠٦ ـ كما يقول طبيبه المعالج دكتور محمود المتينى ـ لزراعة كبد وفى أسرع حال، بعد ظهور الورم الخبيث فى الأشعة والتحاليل الخاصة به، ولكن العثور على متبرع استغرق وقتاً طال لثلاثة أشهر، وهو ما زاد الأمر سوءاً، وجعل من زراعة الكبد أمراً لا فائدة منه.
ولكنه يقرر إجراء العملية متحملاً نتائجها، لتنجح عملية الزرع، وتتراجع دلالات الإصابة، ويتجدد الأمل، وفجأة يعود التدهور دون مقدمات، ليبدأ رحلة العلاج الكيماوى، ولكنه لم يقدم له الشفاء. ويضيف الدكتور المتينى: «زادت قسوة الألم والمرض على مجدى، ولكنه كان قوياً، بل أقوى مريض قابلته فى حياتى، كان يملك جرأة، وقوة، وقبلهما إيماناً غير عادى، حتى إنه كان يكتب من داخل العناية المركزة».
ويتوقف القلم عن الاسترسال والكتابة والنقد والبناء ومنح الأمل، ويغيب مجدى مهنا فى غيبوبة، تنتهى بإعلان الغياب الدائم يوم الثامن من فبراير عام ٢٠٠٨، بين مصدق ونافٍ للخبر. ولكنها كلمة الحق، حيث لا تعرف نفس ماذا تكسب غداً ولا تعرف بأى أرض تموت، ولكن هناك نفوساً لا تموت، فتظل باقية، بذكرى طيبة تهف على القلوب كلما ذُكرت سيرتها.
هكذا كان مجدى مهنا الذى شيعت جنازته وسط لفيف قلما يجتمع من المصريين، بدءاً من جمال مبارك، رئيس لجنة السياسات بالحزب الوطنى، مروراً بالوزراء ورموز النظام والإخوان الذين هاجم سياستهم، انتهاءً بمحبيه وأصدقائه، ودَّعه من هاجمهم ومن هادنهم، فكلاهما أدرك أنه يودع صاحب قلم شريف لا غاية له من ورائه.

ظل شامخاً حتى رحيله

ظل شامخاً حتى رحيله

٨/ ٢/ ٢٠٠٩


فى ذكراه العطرة يتجدد فى ذاكرتنا ذلك الفارس النبيل والقلم المستنير «مجدى مهنا».. رحمه الله.. فقد كان كاتباً متزناً.. ومحاوراً لبقاً.. فكنت أشعر من خلال حواراته ومتابعة كتاباته أنه «نفسى» ونفس كل وطنى غيور على بلده.. يشعرك دائماً بأنك أخوه.. يعانى ما تعانيه.. يسمع بأذنيك ويرى بعينيك بل أيضاً يشاركك مخاوفك وتطلعاتك وآلامك وآمالك.. هكذا كان.. لغة خطابه التعقل والتفحص ثم المواجهة بصدق وصراحة يغلفها التأدب والاحترام.. ظل شامخاً حتى رحيله..
 فكان إعلامياً مطلعاً مثقفاً.. احترم فكره فاحترمه الناس.. لم يخش لومة لائم ولم يحركه منصب ولا مال.. صفحات حياته كلها ناصعة البياض بإباء وشموخ.. أحب الوطن فأحبه المواطن الذى يلاحقه الفساد والمفسدون فتطوع بقلمه الحر للتصدى لأولئك الفاسدين ونادى بالإصلاح السياسى والاجتماعى..
كما شارك بشرف وأمانة فى العمل النقابى مصراً على النهج الديمقراطى وأضاف للصحافة الحرة معقلاً جديداً حيث بذل الجهد لنجاح جريدة «المصرى اليوم» التى شاع انتشارها.. وعند قرب الرحيل لم يفارقه شموخه فأبى أن يعالج على نفقة الدولة وتكفل بعلاج نفسه رغم تكاليف العلاج الباهظة.. إن ذلك الرجل بحق وطنى مميز.. رحل عن عالمنا ولكنه ترك لنا إرثاً عظيماً من الكلمات الصادقة والنزيهة وخلف نبتاً صالحاً ليرعاه من بعده.. رحلت عن أعيننا ولم ترحل عن قلوبنا

أنور عصمت السادات
وكيل مؤسسى حزب الإصلاح والتنمية

مجدى مهنا .. عام على رحيل الفارس

مجدى مهنا .. عام على رحيل الفارس

٨/ ٢/ ٢٠٠٩

لماذا نحتفل بذكرى مجدى مهنا؟ هل لأنه كان شريكاً فاعلاً فى النجاح الذى حققته «المصرى اليوم»، وكان أبرز مناطق التميز فى مسيرتها؟ هل لأنه كان زميلاً يعرف قدر هذه الكلمة ويترجم كل ما فيها من معان، وصديقاً من ذلك الزمن الذى كانت فيه الصداقة أنبل العلاقات وأصدق الشيم؟

هل لأنه كان إنساناً بسلوكه وكتاباته وأحاديثه وكامل حقيقته؟ هل لأنه كان صورة ناصعة لطهر كاتب مهم، جاءته الدنيا فقابلها بالقناعة، غلفه الخجل فلم يمنعه من قول الحق دون اكتراث بعواقب، وباغته المرض فتسلح فى مواجهته بالصبر، ولم يسمح له بغزو كرامته وكبريائه، حتى جاء الموت فاستقبله بشجاعة ورضا، غير خائف من شىء.. كان يعلم أن الله يغفر ما له، ويحاسب على ما للناس، ولأنه كان عف اللسان كريم الخلق، مترجماً بأمانة للقول المأثور: «الدين المعاملة»، أقبل على الموت بشجاعة المقاتل، وقناعة الزاهد، وإيمان الشهيد.

كل هذه - بالقطع - أسباب للاحتفال، ومبررات للاحتفاء.. لكننا ونحن نسعى لتخليد ذكرى زميل وصديق وشريك، نحتفى فى المقام الأول بقارئ احتضن مجدى مهنا، وافتقده، ومازال.. قارئ نجدد له العزاء قبل أن نقدمه لأنفسنا، قارئ كان سر تجربة مهنا كواحد من أشهر كتاب الأعمدة على الإطلاق، قارئ عامله «مهنا» معاملة تليق بصاحب الفضل، انحاز له بكل ما يملك من موهبة، وخسر من أجله كل ما كان يمكن أن يحققه من مكاسب، مؤمناً أن رضا القارئ واقتناعه بصدق كاتبه ونزاهته أهم آلاف المرات من رضا أى سلطة، ومن إغراء أى ثروة.

لهذا القارئ، ولمجدى مهنا، نقدم هذا الملف.. على وعد ألا ننسى، وأن نظل على عهدنا معهما حتى نلحق به



"Magical Template" designed by Blogger Buster