3.8.08

في الممنوع 1/2/2007



كما أننا نعيش ثقافة الزحام وثقافة الضوضاء، فإننا نعيش أيضا ثقافة الكراكيب.

وتعبير «الكراكيب» سمعته من الدكتور حسن صبري مدير مستشفي وادي النيل، وهو تعبير بليغ ويفسر الكثير من تصرفاتنا

والكراكيب تشمل أشياء عديدة إن لم تكن كل الأشياء في حياتنا، تعودنا عليها منذ الصغر مارسناها وشاهدناها في حياتنا في البيت، وفي المدرسة، وفي العمل، وفي كل مكان نذهب إليه ونتواجد فيه.. عام أو خاص.
من بين هذه الكراكيب مثلا، احتفاظنا بأوراق قديمة لا قيمة لها، أو تمسكنا بعدم التخلص من بعض المنقولات في المنزل، لسنا في حاجة إليها لكنها العادة التي تحولت إلي ثقافة الكراكيب.
نفضل الاحتفاظ بالأشياء التي لم تعد تمثل قيمة لنا، حتي ولو تسببت في إزعاج لنا أو في تشويه المكان الذي نعمل أو نعيش فيه، وغالبا نبقي علي هذه الأشياء بالشهور والسنوات دون أن نفحصها لكي نعرف هل لها قيمة في حياتنا أم لا، فنحن لم نعود أنفسنا علي التفكير وطرح السؤال حول لماذا نحتفظ بهذه الأشياء؟

وثقافة الكراكيب ليست مقصورة علي فئة من المجتمع أو علي مهن معينة أو علي مستوي اجتماعي معين، فنحن جميعا شركاء ومتساوون في ثقافة الكراكيب، وكأنها أصبحت بالنسبة للمصريين إحدي سمات ـ أو حقوق ـ المواطنة، لا فرق بين مسلم ومسيحي، أو غني وفقير، أو متعلم وحاصل علي أعلي الشهادات العلمية وجاهل، أو وزير وغفير، لقد أصبحت هذه الثقافة جزءا مهما في حياتنا، لا نستغني عنها ولا تستغني عنا.
لا اختلاف بينها وبين ثقافة الزحام وثقافة الضوضاء، وغيرها من الثقافات التي أصبحنا نتعايش معها، فقد أصبحت أسلوب حياة وأسلوبا في التفكير، عندما نصاب مثلا بمرض معين لا نفكر في الذهاب إلي الطبيب فورا أو إلي المستشفي للعلاج ومعرفة المرض في بداياته لمحاصرته وسهولة علاجه والتخلص منه، ليس لأننا فقراء ولا نملك ثمن العلاج ـ مع أن هذه حقيقة ـ ولكن لأن ثقافتنا مع المرض تقول: لا تذهب إلي الطبيب إلا بعد أن يتمكن المرض منك ويصبح في نهاية مراحله، بعد أن يكون قد دمر جسدنا، ولم يعد يفلح معه العلاج

أغلبنا لم يتعلم كيف يتخلص من الأشياء غير المهمة في حياته، وكيف نراجع أنفسنا كل فترة للتخلص من الأشياء العالقة أو تلك التي تقلقنا وتزعجنا وتسبب لنا ضيقا نفسيا وتشكل ضغطا علي أعصابنا

الأصدقاء أو الأصحاب مثلا الذين يزعجوننا لا نفكر في إسقاطهم من حياتنا ومن حساباتنا، بل نبقي عليهم وعلي علاقاتنا بهم، مع أننا نعرف وندرك تماما أنهم ليسوا مصدر سعادة لنا.

لم نفكر في التخلص من هؤلاء، ونبقي فقط علي الصداقات الجميلة التي تضيف إلي رصيدنا سعادة وحبا

فلو تصورنا أن بداخلنا مجموعة من الأدراج، وكل فترة تمتلئ هذه الأدراج عن آخرها، ولم نقم بتصريفها فما الذي سيحدث؟ الطبيعي أنها ستشكل عبئا نفسيا وجسديا علينا وستعوق قدرتنا علي الحركة وعلي التفكير

وللأسف فإن ثقافة الكراكيب ليست مقصورة علي الأفراد، فهي انتقلت إلي الحكومات وإلي أجهزة ومؤسسات الدولة، أو انتقلت منها إلينا.
الحكومات مثلا تعتمد في أسلوبها في حل المشاكل علي المسكنات ولا تواجه تلك المشاكل فتكون النتيجة بقاء المشاكل دون حل حقيقي، بل تتفاقم وتزداد.
والبرلمان كذلك، يصدر التشريعات التي تتناقض مع تشريعات سابقة أصدرها، فتكون النتيجة غابة من التشريعات، لا يستطيع القضاء من خلالها أن يحكم بالعدل.
ثقافة الكراكيب، مسؤولة عن حالة التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي علي مدي سنوات عمرنا، يضاف إليها الفساد والجمود الفكري وسياسات الحزب الوطني، فتكون المحصلة ما نحن عليه اليوم، والبداية هي أن ننفض «الكراكيب» من حياتنا ونتخلص منها أولا بأول، وأولها كل من التصق في الكرسي ولا يريد الانفصال عنه. ب


0 comments:

Post a Comment

Thanks For your comment
I won't accept any insult in my blog , please keep it clean .
Please smile,life is difficult enough :) !

"Magical Template" designed by Blogger Buster