14.3.08

في الممنوع 1/9/2006


المقربون من أديبنا الراحل الكبير نجيب محفوظ يقولون: إنه أحب الحياة كما لم يحبها أحد أكثر منه.. فقد خبرها وعاشها بأدق تفاصيلها وانغمس فيها واستمتع بها.. وعرف حُلوها ومُرها

ولا شك أن هؤلاء المقربين يستطيعون أن يقولوا عنه أيضاً: إنه أحب العمل بنفس درجة حبه للحياة.. فقد تفاني في العمل وأخرج لنا عشرات الروايات الأدبية ومئات القصص القصيرة.. التي سجلت تاريخ مصر الحديث من بدايات القرن التاسع عشر وحتي نهاياته.
ثم أحب نجيب محفوظ الناس أيضاً.. ومن يحب الناس.. تُحبه الناس.. وهي قيمة كبيرة وإحساس لا يعرف قيمته إلا من أحب الناس وأحبوه

لكن الذي أدهشني هو قول نجيب محفوظ: إنه بعد حبه للحياة وللعمل وللناس.. فقد أحب الموت الآن.
هل هناك من يحب الموت؟

قطعاً لا يوجد من يحب الموت.. قصد من وراء ذلك أن يقول: إنه لا يخشي الموت، وإنه علي استعداد لاستقبال ملك الموت بروح راضية وصافية.. فتدخل روحه إلي ربها راضية مرضية

إن حبه للحياة.. يجعله يدرك أن لهذه الحياة نهاية.. وأنه يرحب بهذه النهاية وسعيد بها وراض عن مشوار حياته كُله.
المهم في الرسالة التي يريد أن يوصلها نجيب محفوظ هي أن تُحب.. تُحب فكرة ما.. تُحب عملك.. تُحب الحياة.. تُحب الناس.. تُحب حتي الموت.. وأن تكون صادقاً في حُبك.. وأن تتوحد مع نفسك وتعشقها

أهم درس في تجربة محفوظ الإنسانية، هو أن تكون متصالحاً مع نفسك، وأن تعرف خباياها وأن تعمل علي تحسينها وتهذيبها، وأن تعرف كيف تكون سعيداً.
هذا ما أدركه وعمل به وعاش له أديبنا الراحل بامتياز.. فلم تغب عنه روح الفكاهة والمرح وخفة الدم والقفشة والنُكتة اللاذعة المهذبة.. إلي جانب بساطته وحُبه للفقراء من الناس وانحيازه لهم لأنه واحد منهم.. ولذلك دافع عن حقهم في الحياة وعري المظالم التي يتعرضون لها

ولكي نصل إلي هذه الدرجة العالية من الإنسانية التي وصل إليها نجيب محفوظ.. لابد أن تتمتع أرواحنا بالشفافية وأنفسنا بالنقاء والصفاء.. وقلوبنا بالبصيرة والحكمة.. وقبل كل ذلك أن تكون صاحب ضمير حي.. ونجيب محفوظ كان لديه ضمير يقظ.. ولهذا استوعب وفهم وأدرك ما يدور حوله.. وانعكس ذلك علي داخله.. وحاول فلسفة ذلك مع نفسه وتعايش معه.
هذا أفضل ما في نجيب محفوظ.. الإنسان.. قبل الأديب وقبل أي شيء آخر.. فالإنسان الجميل الذي بداخله هو الذي أخرج لنا هذا الأدب الغارق في المحلية.. واستطاع به الوصول إلي العالمية

مات نجيب.. رحمه الله.. وبقي الأدب.. وقبل الأدب.. الإنسان

0 comments:

Post a Comment

Thanks For your comment
I won't accept any insult in my blog , please keep it clean .
Please smile,life is difficult enough :) !

"Magical Template" designed by Blogger Buster